الأحد

تقرير عن حياة الصحراء في الكويت (4)

ثالثاً : الملامح العامة لاقتصاديات البادية

كان ابن البادية في الكويت قديما يحيا تحت ظروف قاسية يستخلص خلالها رزقه بالجهد والعرق ، وهو لذلك قد يمتهن عدة حرف متنوعة تكفل له بالكاد معيشته. دون أن يكون هناك نظام لتقسيم العمل بين أفراد المجتمع القبلي ، كما كان في ممارسته لعديد من هذه الحرف يرتكز أساسا على الإفادة من الإنتاج الطبيعي دون تدخل كبير في طرق الإنتاج ، فهو يحافظ على حياة حيوان الرعي ، وهو من هذا يعيش على لبنه وشعره ، حيث يصنع منه رداءه وخيمته (بيت الشعر) ويضطر أحيانا إلى أكل لحمه أو بيعه كمصدر من مصادر الحصول على النقود أو للتبادل والمسابلة وهي نوع من أنواع التجارة التي كانت تعتمد على المقايضة ، وارتبطت ارتباطا كبيرا بحياة البادية الاقتصادية.
وعموما فإن الحرف السائدة في البادية هي حرف تقليدية متوازنة ولا تتغير إلا في الأحوال الاضطرارية كنضوب الآبار أو جفاف المطر وقلة المرعى ، أو عندما يلجأ أهل البادية إلى الإستقرار عند مورد جديد للرزق ، وقد يتمثل هذا المورد في الحضر ( المدن ) أو حول منابع البترول.
ولذلك نرى أن الحيوان والبئر والوادي والسيل علاوة على المطر هي العوامل الرئيسية في تشكيل الملامح العامة لاقتصاديات البادية من قديم الزمن ومن أهم هذه العوامل:

1- الحيوان في حياة الباديـة :
إن دور الحيوان سواء كان إبلا أو أغناما أو ماعزا واضح في اقتصاد البادية، وإمكانية الإفادة منه واضحة أيضا وغير محتاجه إلى تدليل ، فهو الذي يحدد دورة تجوال القبيلة فضلا عن أنه عنوان مكانتها بين سائر القبائل ، وهو الميزان الذي توزن به قيمة ابن البادية الحقيقي ومن أهم الحيوانات التي ارتبطت بحياة البادية وتعد مصدرا هاما من مصادر الطاقة والحياة الإبل والخيل.

أ - الإبل في حياة البادية وتراثها :
لقد كانت الإبل تحمل مقومات الحياة واستمرار لمعيشه ومحور الارتكاز لمجتمع البادية في الحل والترحال ، فحليب الإبل هو الغذاء الأساسي لأهل البادية بل إن هذا الحليب يغنيهم إلى حد كبير عن الماء الذي يحتاجون إليه لإرواء عطشهم ، فلولا حليب الإبل لإحتاج ابن البادية إلى أضعاف ما يشربه من الماء في بيئته الشحيحة بالمياه.
فالبعير هو الثروة وهو أساس الحياة الاقتصادية لعالم البادية وهو واسطة النقل الأولى والأساسية لعالم الإتصالات البرية في زمان مضى وانقضى .. فهو أساس محامل الحج ، المحمل الخليجي والتركي والشامي والمصري والعراقي والفارسي ، ومن يأتي بالبحر حتما لن يصل إلى الديار المقدسة إلا على ظهر البعير.. محامل التجارة تتكون من آلاف الجمال.

ب - الخيل عند أهل البادية :
لقد عظم العرب الخيل قديما ، وازداد تعظيمهم لها ، من ذكرها في القرآن الكريم ومن قول الرسول صلى الله عليه وسلم " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ".
ولقد اهتم أهل البادية بالخيل إهتماما بالغا ، وكان اهتمامهم بأنساب الخيل كاهتمامهم بأنسابهم ، وكان العرب القدماء ينسبون الخيل إلى آبائهم تشبيها لهم بالبشر ، ثم نسبوها بعد ذلك لأمهاتهم.
ومن دلائل شدة احترامهم للخيل ، أنه لايجوز عندهم بيع الفرس الأصيل بيعا مطلقا ، أي لايبقى لصاحب الفرس أية علاقة بها ، وقد يغار أبناء البادية على خيلهم ، فيصونوها من الفحل الهجين ومن أقوالهم المأثورة : " ثلاثة أشياء لاتعار : الفرس والمرأة والسلاح " وللفرس الأصيل مكانتها في البادية فكل قبيلة اشتهرت بعض بيوتاتها بأنواع أصيلة من الخيل مثل الكحيلة بأنواعها والحمدانيـة والهدبـاء ، وكروش والصقلاويـة وربـداء خشيـبي ... إلخ.
ومن أشهر سلالات الخيل التي عرفت في الكويت : الكحيلة ، العبية ، الوتيبة ، الحمدانية.

2- المطر والبئر في حياة البادية وتراثها :
الماء حياة البادية ، كما هو أساس حياة كل كائن حي ، ولقد كانت الآبار والعيون هي الأخرى ذات أثر حيوي وفعال في اقتصاديات البادية ، فهي مصدر تزويد القوافل المسافرة بالمياه ، فضلا عما تلعبه هذه الآبار والعيون من دور هام في تحديد مسارات الهجرة والترحال والتجمع ، وكما توزن قيمة ابن البادية وتتحدد مكانته الاجتماعية على قدر ما يمتلكه من حيوانات، فإن مركز القبيلة كلها يتحدد تبعا للعديد من الآبار والعيون التي تكون في حوزتها والتي تشيع في أرضها الزرع والنماء. وقديما كانت تعتبر قـبائل البادية الآبار والعيون إحدى مصادر الدخل الهامة ، حيث يمكنها الحصول على أجر نقدي لقاء ما تقدمه للقوافل المسافرة من ماء وحماية أثناء عبورها بأراضيها.

3- الرعي : حرفة واقتصاد :
يعتبر الرعي من أركان اقتصاد الكويت في الماضي إلى جانب الصيد والزراعة ، ولم يزل الرعي يحتل مكانة لا بأس بها في الاقتصاد الوطني ، ومن المعلوم أن الصحراء تشغل الجزء الأكبر من مساحة الكويت ولقد ساعدت الظروف المكانية للكويت وموقعها في الشمال الشرقي من شبه الجزيرة العربية على وجودها في طريق القبائل المتجهة من الجزيرة العربية إلى المنطقة الخصبة في الشمال ، وقد استمرت هذه العملية مدة من الزمن ، أي أن هناك وجوداً لحياة بدوية متنقلة في صحراء الكويت حيث تشكل مع صحارى العراق الغربية والسعودية موطنا لتنقل أهل البادية وراء الماء والكلأ.
واستمر هذا العصر الذهبي للرعاة ، يتجولون أينما شاءوا حتى بداية التقسيمات السياسية للدول وتحديد الحدود التي أدت إلى تقييد عمليات الهجرة لأهل البادية، حيث تتحكم في عملية التنقل هذه في الوقت الحاضر معاهدات واتفاقيات بين الدول وداخل شبه الجزيرة العربية ويقول الأستاذ حافظ وهبه : أن عشائر الكويت كانوا قبل عام 1921م يبلغون نحو 15000 نسمة ، ولكن إلتحق أكثرهم بنجد بعد بناء الهجر ويضيف قائلا أن عشائر الكويت تنتمي إلى قبائل عنزه والعوازم والرشايدة وبني هاجر والعجمان وبني خالد ومطير ، ويمكن أن نميز في الصحراء فئات من السكان تختلف بإختلاف طبيعة الحياة التي تحياها والعمل الذي تزاوله ومن أهمها:
- الرعاة الذين يعيشون على رعي الإبل والخيول والأغنام والماعز وغيرها من حيوانات الرعـي ، وهؤلاء أهل بادية ( كاملو البداوة ) لأنهم دائمـو التـنقل والحـركة وراء الماء والكلأ كقبيلة مطـير ، حيث كان أفراد القبـيلة يرعـون وينتقلون شتاء وربيعا داخل الكويت وصيفا يستقرون بالقرب من الجهراء لوفرة الماء.
- شبه الرعـاة وشبـه المستقرين وهؤلاء يعرفون قدرا من الإستقرار قرب عين ماء أو واحة أو على مقربة من إحدى المدن والقرى وخلال فترة الإستقرار نجدهم يمارسون أعمالا أخرى كالزراعة و صيد الأسماك وإن ظل الرعي أحد سماتهم الأصلية كقبيلة العوازم وتعتبر بداوة هذا النوع من القبائل ( بداوة ناقصة ).
فالبداوة نمط عيش خاص يقوم على أساس تربية المواشي والرعي والترحال تمشيا مع البيئة الصحراوية. فقد نشأ هذا النمط في البداية وتكون تاريخيا نتيجة تفاعل دائم ومستمر مع هذه البيئة واستجابة لقسوتها ومتطلباتها ، ولقد كانت المواشي قاعدة اقتصادية لمجتمع البادية ، ولعل مهنة الرعي هي المهنة الوحيدة الميسرة أمام فئات المجتمع رجالا ونساء وولدانا حيث كان الجميع يسرح وراء الإبل والأغنام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق