الأحد

تقرير عن حياة الصحراء في الكويت (5)

رابعاً : تراث البادية

إن البحث في تراث البيئة متعدد الجوانب ، نظرا لما يتميز به هذا التراث من حيوية تاريخية وثقافية ، وارتباط بواقع الحياة التي يعيشها الإنسان في البادية. وكذلك لما يقدمه من أنماط بعض العادات والتقاليد التي ظل أبناء بادية الكويت يحافظون عليها ويحفظونها على مر السنين.

1 – الأسرة ودورها في تراث الباديـة :
تعتبر الأسرة البدوية الوعاء الذي تلتقي فيه كل روابط أهل البادية الاجتماعية وتراثهم ومأثوراتهم ، فمن خلالها ترتبط وشائج القربى بين جميع أفرادها وجماعاتها ولو تفرقت بهم السبل ، حيث يعتبرون جميعا ذرية لجد واحد .. وابن البادية يخلص لعشيرته عن طريق الإقناع وليس عن طريق الجد ، فضلا عن أنه يكن تقديرا واحتراما خاصا لشيخ عشيرته ، وهو عادة لايشذ عن هذا الاحترام.
ويعيش أهل البادية عادة في جماعات كبيرة .. ويتضامنون جميعا في كل ما يجابه الأسرة من مغانم ومغارم ، لكل هذا يحترم أبناء البادية تقاليد الأسرة وعاداتها.
هذا ومن أهم ملامح أسرة البادية تعدد الزوجات رغبة في زيادة عدد الرجال القادرين على الدفاع عن القبيلة ورفعة شأنها من جهة ، وحماية لرجالها وشبابها من الزلل ، وإن كان ابن البادية بطبيعته يأنف من السطو على أعراض الغير.

2 – الزواج ( العرس ) عند أهل البادية :
الزواج عند عرب البادية الحاليين له عادات وترتيبات خاصة تعد امتدادا للمتبع القديم. فالبدوي عموما يهتم في اختيار الزوجة ، وأهل الفتاة يتفحصون " نسيبهم جيدا ". فالمرغوب للطرفين البيت العريق صاحب الصيت المعروف بالعلم الغانم والأفعال الحميدة كالكرم وصلة الرحم والشجاعة. وابنة العم لابن عمها ، وهذا حق ثابت لاينازعه فيه منازع ، علما بأن الإسلام العظيم لم يمنع هذا الحق أو يعترض عليه ولكنه يحث على الزواج من ذات الدين " إظفر بذات الدين تربت يداك ".

3 – بيت الشعـر :
من أهم ما يميز حياة البادية – بيت الشعر – وقد جعل أهل البادية لبيت الشعر كرامة وحقوقا واحترامـا ومن أهمـهـا حمــاية مــن يدخل البيت حتى ولو كان عدوا ، وذلك للتدليل على النبل ومكــارم الأخلاق ، فالبيت هو حمى أبناء البادية ، الذي يحميهم ويدافع عنهم ، وهو بيت بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.
ولبيت الشعر حواجز تقسمه إلى جزئين أو أكثر ، والحاجز يسمى قاطع ، وبيت الشعر مستطيل الشكل مفتوح من أحد أطواله " الواجهة " ومغلق من الطول المقابل " الظهر " والظهر لايفتح إلا للضرورة وذلك حين يتغير إتجاه الريح أو لطلب الظل أثناء إشتداد الحرارة.
والبيت المفضل هو المنسوج من "شعر الماعز" وإن تعذر شعر الماعز فمن "صوف الغنم" أو "وبر الإبل". والسبب أن صوف الغنم أو وبر الإبل يتشرب ماء المطر فيكثر نقطه ويزداد وزنه فيصعب بنيانه إذا انهدم.
المرأة في البادية وبناتها وصويحباتها هن اللواتي يقمن بسدو "حياكة" البيت. ويتكون البيت من "شقايق" والواحدة "شقة" وينطقونها "شكايج" والواحدة "شكة" أو "فلجان" والواحدة"فليج".
هذا ولبيت الشعر حرمة تتعزز بقوة صاحب البيت وبكثرة رجاله وصونه من المعتدين عليه وعلى حرمته.
هذا ويتحقق الضبط الاجتماعي في مجتمعات البادية من خلال العديد من الصور والممارسات التي ابتكرتها تلك المجتمعات لتحقيق الردع لمرتكب الجريمة والتوازن للمجتمع، وذلك من خلال النظام القضائي والمحاكم البدوية.

4- القضاء والمحاكم في مجتمع البادية :
نشأ قضاء البادية في نطاق نظام فقهي فطري ينهض أساسا على الأعراف وما جرت عليه العادات و السوابق. وفقه البادية غير مكتوب لكنه محفوظ فى صدور قضاته والعارفين به ، الذين يحفظون أيضا أشهر قضايا البادية بدءا من الجرائم التى ارتكبت خلالها وطبيعة الأحكام التى صدرت فيها والأسباب التى أدت إليها.
وتتشكل المحاكم البدوية وفقا لقوانين وأعراف البادية التى تحدد أنواع القضاة وكيفية اختيارهم ووسائل التظلم من أحكامهم ، علاوة على تحديد من لهم حق حضور جلسات المحكمة، فضلا عن مختلف الإجراءات الخاصة بعملية المحاكمة ذاتها. هذا ويتم اختيار القضاة باتفاق الطرفين المتنازعين.
ومن العادات المرعية لدى أبناء البادية أن الدعوى القضائية لاتقام إلا بعد أن يقوم "الموفدون أو البداة" نيابة عن صاحب الحق بمطالبة من عليه الحق بإعطـاء كل ذي حـق حقه فإن استجاب المعتدي قضي الأمر وإلا فيعين القاضي الذى سيفصل فى الدعوى.
والقضاة عند أهل البادية على أصناف فمنهم العارفة الذى يفصل فى قضايا الحلال كالابل والأغنام والممتلكات ، ومنهم من يفصل فى قضايا العار وقطع الوجه " ومعنى قطع الوجه في البادية:خفر الذمة"، ومنهم من يفصل فى قضايا الدم " القتل " ومنهم من يفصل بقضايا" المقلدات" الخيل والنساء ، ومنهم من يفصل بحقوق الرعاة " تارعيان".


5- الضيف والضيافة والقرى :
يعرف القرى بأنه إكرام الضيف والإحسان إليه والضيافة جزء أصيل من حياة البادية، ومظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية عندهم ، فقد عرفوا بها ونسبت إليهم. ومن المعروف أن الضيافة سمة من سمات الكرم العربي وهي مفروضة على كل فرد منه، وبما ملكت يداه قل أو كثر.
وابن البادية شديد الحرص والمحافظة على شروط الضيافة ولا يقصر في أصولها مهما كانت مكانة الضيف.
ويقابل الضيف بالترحاب والإحترام الواجب وتذبح له الذبائح ويكرم بتقديم القهوة. ومن أقوالهم المأثورة : " إن الضيف عند نزوله أمير وعند إقامته أسير وعند رحيله وزير " ويستقبل استقبال الأمراء ويعتبر نفسه أسير المضيف لا يرفض ما يقدم له من خدمة وعند رحيله لا يودع بمثل ما استقبل به للدلالة على رغبتـهم بـأن تطول إقامتـه بينهم ، ويظل الضيف في حمى المضيف وقبيلته طوال إقامته لديه ، مالم يرتكب شيئا يخل بالشرف قبل نقـض ( الملحة ). ويقصد بكلمة الملحة الطعام ، أن يحل ضيفا عند رجل آخر ، ففي هذه الحالة انتهى حق الوجه الأول وابتدأ حق الوجه الثاني " المعزب الثاني " وهكذا.

6- حق الجيـرة :
وهى من الجوار أي الحماية لأن الجار يحتاج الى حماية من يجاوره . فإذا اختلف اثنان على مال أو أي شىء آخر قال الذى يعتقد أن حقه مهضوم " هذا على جيرة فلان " أو هذا بوجه فلان فيصبح الغرض المتنازع عليه فى حمى هذا الشخص ، وإذا ما تعدى أحد على ما أجير فإن صاحب الجيرة الذى أجير إليه الغرض يملك حق محاكمة المعتدى على جيرته.

7- حـق الرفيـق :
إذا رافقت الأجنبي ، وقبلت رفقته .. وسافر معك فهو بوجهك طالما هو داخل ديرة قبيلتك ، ويسمى هذا الرفيق بـ " الرفيق المباري ".
وإذا جماعة " قافلة " وسافر معهم الأجنبي ، فهو بوجه كل واحد منهم .. وإذا تعرض لسوء في ديرة هذه القبيلة فالعار يشملهم جميعا ، ويسمى رفيق الجماعة عند أهل الباديـة " رفيق أو خوي نقعة " أو " دلي نقعة " – أى يدلي يده معهم في الأكل – أو " رفيق خبره " – والخبره والنقعة الجماعة الذين يسافرون ويأكلون سوية.
ولقد استفاد المستشرقون والرحالون الأجانب من حق الرفقة والضيافة عند العرب غاية الاستفادة .. وكذلك رجال الغرب الذين ساحوا في البوادي العربية قبيل الحرب العالمية الأولى من أجل جمع المعلومات عن المنطقة وتزويد حكوماتهم بها.

8 – الحرب - [ مردود النقـاء ] :
لا يمكن أن يحدث الغزو أو الحرب بين قبيلتين متصالحتين أو متعاهدتين إطلاقا ، ولا يمكن أن يكون الهجوم على القبيلة المعادية بياتا ( ليلا ) فهذه قيم ثابتة عندهم.
فإذا افترضنا أن إحدى القبيلتين تريد نقض الصلح أو إعلان الحرب لسبب من الأسباب ، فإنها ترسل إلى القبيلة الأخرى من يخبرها بأن عليها " مردود النقاء " أي أن الصفاء والصلح بيننا قد انتهى. فتحترس كل قبيلة من الأخرى وتفتح عليها العيون وتتصيد أخبارها.
والتمهيد للحرب يبدأ بأن يأمر شيخ القبيلة بإيقاد نار كبيرة يزداد اشتعالها وضرامها، فتلتهم حزما من الحطب هائلة ، لتبقى دائمة الاشتعال يتطاير شررها إلى عنان السماء.
ويكون مكانها قبالة مضيف شيخ القبيلة ، الممتلئ برجالات القبيلة من شيوخ الأفخاد ورجال الحل والربط وأهل الرأى والمشورة.

9 – الفراسة والقيافة وقص الأثر عند عرب الصحراء :
يقول أحد المستشرقين الذي رافق أبناء البادية في رحلاتهم ومرابعهم : أني جد مندهش من شدة معرفتهم للأثر .. فهم يعرفون آثار أقدام جماعتهم ومعارفهم .. ونياقهم ونسائهم.. والمرأة الحامل والمرأة البكر .. والناقة المريضة والصاحية .. وآثار حيوانات البادية .. وتاريخ مرورها على الأرض .. ثم يقول : إن أسلوب معرفة البصمات المتبع في الغرب لا يبدو شيئا أمام هذه المقدرة العجيبة.
وابن البادية يعرف ابن البادية الآخر من لغته " لهجته " فيعرف من أي قبيلة ومن أي عشيرة ويعرفه من قيافته وهندامه . وقد استفاد من هذه الخاصية بعض الإنجليز الذين خدموا في البلاد العربية بعد الحرب العالمية الأولى مثل كلوب باشا ( أبو حنيك ) John Glubb Bagot وديكسون وعبدالله فيلبي ( سنت جون فلبي ) والفريدريك بيك وغيرهم كثير.
وهناك فراسة خاصة يتميز بها العوارف " قضاة البادية " المتوارثين للمهنة من آبائهم وأجدادهم يستخدمونها في كشف المغلق والغامض في المشكلات التي يطرحها الخصوم أمامهم.

10 – التداوي والإستشفاء :
لقد اهتم علماء الإنثروبولوجيا المعرفية اهتماما كبيرا بموضوع العلاج وأساليبه وطرقه في مجتمعات البادية ، فضرورات الحياة في البادية وظروف العيش فيها، جعلت أبناء البادية يعتمدون على أنفسهم في علاج ما يصيبهم من أمراض على اختلاف أنواعها أو تلك الأمراض التي تصيب حيواناتهم.
ويستعمل ( المطبب ) في العلاج طرقا تقليدية إكتسبها بالخبرة وتعلمها من خلال التجربة الطويلة التي مر بها ومنها : الكي ( التداوي بالنار ) والتداوي بالأعشاب والنباتات والجبيرة والحجامة.

ومن طرق الوقاية عند أهل البادية :
- ( الحجر ) كلمة معروفة عند الأطباء ، وهي شائعة ومتداولة عند أهل البادية أن الشخص الذي يصاب بمرض وبائي معدٍ كالجدري مثلا يحجر في مكان ناءٍ عن قطين العرب ، أى مضارب الخيام ، ولا يسمح لأى أحد أن يقترب منه إلا من كان قد أصيب بنفس المرض ونجا منه ، فله الحق في الإقتراب منه ونقل الغذاء منه. ويطلقون على المريض في هذه الحالة كلمة ( محجور ).
- ( الحمية ) : وهي إحدى طرق الوقاية حيث يحمون المريض عن أكل بعض الأكلات التـي يعتقـدون أنها تسبب زيادة تدهور صحة المريض ويطلقون على المريض الإصطلاح ( محجوب ) أي أنه ممنوع عليه أكل بعض المأكولات.
وعموما يعتمد تشخيص المرض عند أهل البادية على معايير تساعد على إدراك نواحي الشبه والإختلاف بين الحالة المعروفة وبين الحالات المشابهة التي يعرفها المعالج ، الذي يقوم بتصنيف هذه الأمراض مستخدما بعض الوسائل والتقنيات التي تم ذكرها. ومن ذلك كله تتضح العلاقة القوية بين البيئة وحياة إنسان البادية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في هذا المجتمع.

هذا ولقد تكررت مقولة مفادها أن دراسة البيئة الصحراوية لا تعد مكتملة بأي حال من الأحوال، فهناك العديد الذي يمكن اكتشافه. ومن المحتمل أن أبناء البادية في الماضي كانت لديهم معرفة أكثر عن عادات الحياة البرية في الكويت عما يتوفر لدى العلماء المحترفين اليوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق